هل ترفع اللغات الأجنبية من جودة التعليم؟
يقال إن فهم السؤال هو نصف الإجابة، ولذلك قبل شروعنا في هذا المقال دعونا نستوضحه سويةً.
هل ترفع اللغات الأجنبية كونها لغات مغايرة مجردة عن مصادرها وما وصلت إليه من جودة التعليم فعلًا؟
ثم هل وصلنا إلى ما نحن عليه الآن من ضرورة التعلم بلغة أجنبية بدافع الحاجة أم كان للانتقال لها دافع وسبب آخر؟
واقع الحال يقول إن تدريس العلوم باللغة الأجنبية بدأ مع دخول الاستعمار الغربي للدول العربية في أواخر القرن التاسع عشر ميلادية وقد كانت قبل ذلك تدرس باللغة العربية وكان المحاضرون وإن كانوا أجانب يعلمونها مترجمة باللغة العربية كاشتراط رئيسي في الجامعة التي استقطبتهم كما أوضح ذلك الدكتور خالد آل عبدالرحمن في رسالته “تعريب التعليم الطبي..” إذ يقول ” أنشئت في مصر أول كلية طبي في أبي زعبل أيام محمد علي الكبير واستمر تعليم الطب فيها باللغة العربية لستين سنة“.
ومنذ عام 1882 بدأ تحول تدريس الطب وخلال خمسة سنوات من العربية للإنجليزية في مصر، وتبعها إنشاء المدرسة اليسوعية في بيروت عام 1883 والتي سميت فيما بعد بالجامعة الأمريكية، فهل يسعى الغرب المحتل حقًا لدفع تعليمنا للأفضل أم أن ذلك جزء من مساعيه لأن لهم تبعا؟
اما من الناحية العملية فلو نظرنا إلى الجهود المبذولة في تعليم اللغات التي تكون وسيلة لتعلم العلوم سنجدها مطردة متكررة مع كل جيل بنفس الوتيرة والنسق والتكاليف، بينما توفر جهود الترجمة الكثير على الأمة الناقلة للعلوم وتعطيها طابعًا يشبهها بل وتزيد عليها مما يجعلها مصدرًا منفردًا فيما بعد عن سواها لتكون ذات يوم مقصدًا لطلب العلم لا العكس.
وفيما يخص رفع الجودة فلو كان ما سبق ذكره يتمخض عن جودة أعلى لما أثير هذا السؤال وأجريت عليه الدراسات، وقد أثبتت إحدى الدراسات أن الطالب لا يتقن اللغة الأجنبية في دراسته إلا بعد عامه الخامس وهكذا فإن حصيلته العلمية بطبيعة الحال تصبح أقل كما أنه يقضي معظم وقته ليتقن اللغة علميًا حتى يدرك أقرانه.
ويورد الدكتور آل عبدالرحمن كذلك في رسالته عددًا من النتائج للدراسة المسحية التي أجراها الجار الله والأنصاري عام 1998 على عدد من طلاب جامعة الملك سعود والتي أجرياها على 516 من طلاب وطالبات الطب بجامعة الملك سعود، وأكد حوالي 60% منهم أن نسبة الاستيعاب تزيد حين استخدام اللغة العربية في شرح العلوم الطبية، وكذلك أكد قرابة 51% من الطلاب أن التعلم باللغة الإنجليزية يقلل من فرص مشاركتهم أثناء المحاضرات.
وفي دراسة أخرى للسباعي عام 1995، أثبتت أوساط الطلاب والأطباء أن القراءة تتحسن باللغة العربية وبلغ متوسط عدد الكلمات للفرد 109,8 بالعربية و 76,7 كلمة بالإنجليزية.
كل ذلك يدعو للتأمل في حال التعليم عندنا ويطرح التساؤل العالمي، هل ترفع اللغات الأجنبية جودة التعليم فعلًا، أم أنها تصدق عليهم نظرية ابن خلدون “إن النفس أبدًا تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه”
المراجع/
رسالة الدكتور “خالد بن عبدالغفار آل عبدالرحمن تعريب التعليم الطبي: رؤية واقعية وخطوات عملية“
European Journal of Engineering Education