نحتاج لأن نستشرق..
“إن مما لا جدال فيه أن الاستشراق له أثر كبير في العالم الغربي وفي العالم الإسلامي على السواء وإن اختلفت ردود الأفعال على الجانبين، ففي العالم الغربي لم يعد في وسع أحد أن يكتب عن الشرق أو يفكر فيه أو يمارس فعلا مرتبطا به أن يتخلص من القيود التي فرضها الاستشراق على حرية الفكر أو الفعل في هذا المجال…”
د. محمود حمدي زقزوق
لا يكاد يخلو معجم مفردات المفكر أو العامي في أوساطنا من مفردة “الاستشراق” والتي انتقلت من معناها الاتجاه نحو الشرق إلى حملات الحضارة الغربية نحو الشرق للتعرف عليه وسبر مكنوناته الميتافيزيقية إذ كان يشكل لهم لغزًا وسحرًا يدفع للفضول، وبدأت هذه الحملات تتجلى بعد عام 1312م حين صدور قرار مجمع فيينا الكنسي بإنشاء عدد من الكراسي العلمية للغة العربية.
وللاستشراق وجهان علمي وكنسي قام الأول فيه بنقل العلوم والمخطوطات وفهرستها وترجمتها لينقل الحضارة له ويبني مجدها عليه وقام الآخر بتشويه الإسلام وشيطنته وبث الخرافات عنه، ولذا نجد في نظرة المستشرقين الأوائل شيئًا من الاحترام والتقدير، يقول المستشرق الفرنسي جيوم بوستل “عن طريق معرفة لغة واحدة (العربية) يستطيع المرء أن يتعامل مع العالم كله”
فالعالم العربي والإسلامي يمتد من أطراف أفريقيا الغربية وحتى أوساط آسيا متحدًا تحت راية أمة واحدة.
وكذلك يصف العلوم التي استقاها الغرب من الشرق بقوله “ليس هناك أحد يستطيع أن يرفض وسائل علاج الطب العربي، فابن سينا يقول في صفحة واحدة أو صفحتين أكثر مما يقوله جاليونس في خمس أو ست مجلدات كبيرة”
لقد انتقى الغرب الفرائد والمميز حتى يبدأ من حيث انتهت الحضارة التي سبقته فأصبح رائدًا وسابقًا لها حتى بدأت سلسلة الاحتلالات الغربية للأراضي العربية والتي حرصت كل الحرص على نقل نموذجها الحضاري معها وإدخالها في كل بيت وكل مدرسة وجامعة، وأوهمت العربي أنه بذلك يصعد معها سلم الريادة وأن له قدم السبق معهم، وعلى خلاف ذلك يصف رودسون نظرة الغربي عن الشرقي في القرن التاسع عشر “مخلوق مختلف بعد أن كان في ظل أيديلوجية الثورة الفرنسية إنسانًا قبل كل شيء، أصبح الآن سجين خصوصيته وموضوعًا للثناء والذي يمن به عليه بعضهم”
هذا موجز وتلخيص لمراحل تقدم أمة على أخرى (تخلف فدراسة ونهل فتقدم وسيادة)، ولذلك نقول نحتاج لأن نستشرق كما استشرقوا وأن ننقل علومهم إلينا بلغتنا وأن نستفيد من حضارتهم لا أن نقلدها ونتبعها إن أردنا لنا أو للجيل الذي يلينا أن تكون له السيادة.