في قاعة الدرس، يجلس أستاذ العربية وطلابه، يحاورهم ويحاورونه:
- يجب علينا رعاية لغتنا، وألّا نخضع لثقافة أخرى.
- فيقولون: كيف نخضع؟
- فيقول: بأن نضطر اضطرارًا للغة أخرى بزعم أنّ العلومَ لا تُتَعلَّم إلا بها.
- لكنّ هذا حق، فالمصادر مكتوبةٌ بها!
- ولماذا لا يكتب علماؤنا الذين تعلموا هذه العلوم؟
- حتى لو كتبوا، فسنبقى نحتاج الترجمة!
- لم أقل أننا لا نحتاج ترجمة.. يا أحباب، خدمة اللغة ليست بين يدي وحدي!
- فماذا بين يديك أستاذ؟
حوار يتردد في قاعات الدرس، وفي أروقة النقاشات، ولومٌ يُلقى في ناحية من ناحية، وتراشقٌ لا يقف!والحقّ أنّ القضية لا يقع حملها كلُّه على “سدنة العربية” من أساتذتها والمتخصصين فيها، لأنّ اللغة ميزة مجتمع وشعار أمة، فهي في حقيقتها ملكٌ لهم، وخدمتُها واجبٌ ودَيْنٌ عليهم جميعًا.وهنا يقع خلطٌ بين الخدمة الواجبة على المتخصصين في العربية، وبين ما يقع على متحدثي اللغة جميعًا.
تعريب العلوم، والحديث بالعربية، وبثّها في المواقع العامة واجب على كل أهلها ومتحدثيها، فهذا يحتاج خدمتنا جميعًا -نحن أهلَ العربية-، فلا يترجم اللغوي ويعرّب العلوم وحده، ولن يتحدثها وحده، بل هذا مما يتشارك فيه مع أهل اللغة جميعًا.
يقع التخصص في نطاق ضيق بالنسبة للحالة العامة، كالفقيه يتعلّم الشرع ويضبطه ويفتي الناس في ما لا يعلمون، لكنّه لا يحفظ الشريعة وحده، بل رعاية الشريعة والتمسك بها واجبٌ على كل مسلمٍ مؤمنٍ بها.
وكذلك الطبيب يعرف طرائق الصحة وسبلها وسبل الوقاية من الأمراض، ولكنه لا يقوم بها وحده، بل الحفاظ على الصحة حالة يجب أن يتسم بها المجتمع.
وخذ مثلًا آخر؛ القانوني لا يؤدي النظام وحده، ولا يرسمه وحده في كل جوانبه، بل سيحتاج متخصصين في بعض الأنظمة يعينون في وضعها، ثمّ إنّ النظام بعد ذلك لا يقوم به وحدَه، بل لا بد من التزام المجتمع الذي رُسم فيه هذا القانون به.
فكما كان ذلك كذلك، فاللغة وأداء حقوقها مثلُ ما ذكرنا؛ لأنها رمز الأمة كلها، ورايتها التي تخفق بامتيازها وتفرّدها، ولكل نطاق من نطاقاتها واجب يجب على مجموعة، من تحقيقها في المجتمع الواجب على المجتمع كله، حتى ما يضيق بأضيق دوائر المتخصصين في حاجة من حاجات اللغة، ولكلٍّ دورٌ وملعب عاملون ولاعبون.
فإذا كان هذا، فمن المسؤول عن اللغة؟ نحنُ -أيها العرب- جميعًا.